السبت، 17 مارس 2012

أيها الساقي المسافر ..
أتيت لعالمي كعابر سبيل لترحل وترحل أشيائي إليك
جفت الأراضي من بعدك ! عمتها الأتربة والقذارات 
تهطل الأعين سقيً جماً .. ولا تكفيها .. ولا تذيقها مرارة دموعي أبداً حلاوة مياهك ، محال وصولي لما تنجزه بداخلي

لست مسؤولة عن سعادتي فأنا اهرول في الطرقات بحثاً عنها ، وهي عنيدة لا تغادرك
تحتبس بداخلك ، تتجول في ثناياك كطفلة حمقاء قد سيطر الرفض على فكرها 
فلا تطالبني بأن أتلحف شيئاً تفصلني مئات أميال عنه !

من اعتادت أن تلتقيك تحلم الآن بسماع صوتك تارة ، والهبوط بأحضانك ترجو الدفء والاستقرار تارة أخرى
كل شيء غاضب حولي ، ربما يلازم طبعك لأشعر بوجودك
ولكنه لا يشاجرني .. اتصدقني إن قلت اني افتقد شجاري معك ؟
أو اني أبحث عن صوت ضحكتك بمن هم حولي ثم أشعر بها 
أو أني أقبع بثمة أماكن مميزة ذهبية .. جمعتني بك سنيناً ثم أتحسسك جانبي
تلك هي وكزات الشوق القاسية التي تعم أرجائي وتغمسني بطيوفك المنتشرة 

وأشتاق أن تستاقني إليك دون أن أشعر ، اشتاق لنظرتك التي درستني لتعرف احتياجاتي أكثر مما أفعل
اشتاق لليالٍ أقضيها بجانبك ، لسهرة تجمعني بابتسامتك .. ويوم ينتهي بصوتك
وصباح يشرق بعينيك ، وطرب يسترقني إليك 
وبطريقة ما ، أجدك بكل الأغاني .. وأجد الأغاني تحكي حكايانا للبشر 

يا سري الجميل الذي لا يغادرني على رغم المسافات 
ويا قطعة أشهى وابهى من أجمل ما خلق الله ، وما يراه عيني
لجمالك لغة بكماء تلزم الجميع أن يُبكم 
يحييني ويستمر لرحيلك نزيف موجع لا يُبكى
يصدر كنحيب شيخ رقت مشاعره كجسده ، ويخشى التخلي عن رجولته
ربما لا يصنف الفقد من أعظم المصائب سوى لمن عانى كعشقي !

وأولئك الذي يبدأ صباحهم بك غير مدركين لثمة شعور يود اقتشاعهم هنا ، ليستبدل المكان 
ويعاود الشعور .. ويعاود الزمان 
يعيد أياماً تجمعنا تمحي غباراً ارتكز على عاتقة عشقنا المتعطش
واغبط مكاناً يتحضنك .. وعابراً تسنح فرصته أن يوقع عيناه بك
وأناس تشاركني بك ، وتشغلك عني ، وتستحل وقتك
وكل شعور يجتذبك ثم ينعكس على مرآة غيرتي ، ويظهر أنانيتي
وما يمكنه أن يسنح لي أن ألقي بشباك تملكي على غائب ؟

أرشدني لدواء يسكن وحشة الغياب ، ويسد فجوة الدرب الفارغ 
أعطني أملاً بقرب لقائك ! فقلبي على قارعة الوله قد أسدل أحاسيسه
أو افتح عيني على طرق تلتفت لحياة تخلو منك ، امنحني اداة تشعل بي تبلداً محالاً
اعتقني بعودتك من ذلك العذاب الذي يفرد شباكه كل ليلة 
ومن غصة تدعى الوحدة ! تغبط كل المتحابين

ويا حبيبي الحزين الذي تهلكه الغربة ، إن عانيت منها لا تجترني إليها بك وعليك
ولا تذهلني أكثر بتشابه أحوالنا حتى أشاركك بمثل الحنين 
فأنا بالفعل مذهولة ، وعلى وشك انهيار عما قد قادنا الحب إليه
بدونا به كمن امتطى خيلاً مختل .. يهرول بنا بلا توقف 
اترانا لم نمانع لرضانا وحسب !
أم أن الجنون قد جن معنا ، ولم يدرك مكان التوقف !
فأنا مشتاق بشدة أيها الغائب ! 
والشوق قد احتبس أجل ما بإمكانه أن يحل !
بانتظار بعيد المدى ، وبصلابة واقع لا يعيدك 
وبلد أحمق يتظاهر بامتلائه بك كمثلي ، يصب بداخلي شتائماً لا منتهية إليه وعليه

يا مسافري الذي رجوت لعودته خالقي فلم تجب دعواتي 
أفي فراقنا خيرة لك أم لي ؟ أم أن الأيام تقدم امتحاناً جديداً !
وهل تشعر تلك البلدة الصاخبة بلطافة الأجواء عندما تتواجد كما أفعل؟ 
هل تثير بالأماكن أوتارها ، وتعزف لك موسيقى حلوة .. تسعدك وتجتر غربتك ؟ 
فأنا والله على رغم مكوثي ، اهيم بك اغتراباً وحنيناً إلى الوطن !
يا وطناً استوطن قلباً واحتل أرجاء يحلق بها ، ليرضى صاحبها الملك 
أسمعت من قبلي .. أو سابقاً لقلبي ، لمن يشتاق إلى استعمار ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق